السَلفيِّ الذي تزوّجَ نَفْسَه

(١)

آرى إنك استوفيت بهذا شروط الزواج و اركانه، فهناك الوليّ و الشاهدين و ايجاب و قبول ولكنني لم ارى حالة مثل هذه من قبل. مع هذه الجُمله التي قالها الشيخ احسست بأن مجرى حياتي سيتغير. لم يرد في القرءان او السنة ما يمنع ذلك، قال الشيخ حامد بن عبدالله العلي وان لم تَمُر علىّ حالة كهذه، ولكن كثير من الزيجات الحديثه كزواج المسيار وزواج المسفار لم يرد بها كذلك نص محدد.

لقد امضى الشيخ حامد ساعتين على الهاتف يخابر مُفتى العاصمة في الامر و يناقش معه حدود المنع في القرءان والسنه، وفعلاً فالاية الثامنة عشر من سورة النساء قالت: "حرمت عليكم امهاتكم ،بناتكم و اخوانكم و عماتكم و خالاتكم و بنات الاخ بنات الاخت وامهاتكم اللتي ارضعنكم" ولكن لم يكن هناك حكم يمنع زواج الانسان من نفسه وهو بالضبط ما ارت القيام به و هنا اعترف الشيخ قائلاً لم اجد في كتاب الله ما يمنع وهذا الزواج يصبح من باب رفع العلم من الكتاب والسنه لذا فلا غبار عليه ان سميناه زواج المنفاس اي زواج النفس بذات النفس.

(٢)

بالطبع هناك اشياء كثير لم يغفل الله سبحانه عنها و ان لم يذكرها بالاسم في التحريم فهي حلال، من ضمنها ان يتزوج المسلم من سمكه او يتزوج من بطانيه والاخيره واجبة حيث استغفر الله العظيم ان الانسان ينام بقصد او من غير قصد مع بطانيته فوجب برأيي السلفي المتواضع ان يتزوج الانسان المسلم من بطانيته درءً للذنب و الله اعلم.

لم يكن اقناع امي وابي امراً سهلاً بل كان اصعب من اقناع الشيخ المُفتي. وفي النهايه اقتنعا لأن مصلحتي وسعادتي تكمُن في ان اتزوج الانسان الوحيد الذي احبه…نفسي. لم يأخذاني بداية على محمل الجد ولكنهما يعرفان إنني سلفي ومتمسك بالاصوليه، ولا يهمني ان يضحك الناس علىّ ام لا طالما استوفيت ما ورد في كتب الله و سنته و لم اخالفه لذا وافقا في النهايه.

الا ان امي كانت قلقة من قيامي بحفل زفاف وكانت تقول ولكن لماذا تتزوج نفسك، لماذا لاتعيش معها فقط؟ لا يا امي قلت لها لن اعيش مع نفسي بالحرام، ففي زواج المنفاس..توقفت برهة امام ملامح الارتباك على وجهها ثم شرحت لها الناحية الشرعيه لزواج المنفاس لأنها جاهلة بعلوم الدين: زواج المنفاس يا امي هو ان يتزوج الانسان نفسه وليس هنالك مانع شرعي في هذا وهو افضل من ان يمارس الانسان زنا اليد بالحرام، اليس كذلك؟

لم يكن الامر سهلاً على والدي فهو لم يقبل زواجي هذا ولم يحضر الحفل الصغير الذي اقمته و دعوت اليه قلة من اصحابي السلفيين فقط و الذين قبلوا دعوتي وفيه قلت لنفسي امام الشهود: زوجتك نفسي.. لم يكن بالحفل بالطبع موسيقى ولا معازف مُحرّمـه و انما بعـض الانشـاد الديني الحماسي الـذي يدعو المُسلم للجهاد. انا لا الوم ابي فقد تربى تربية دينية ناقصه من تلك التي تجوز الكثير من الشبهات و لم انجح في توضيح اهمية اتباع نهج السلف الصالح على ابعاد الشبهات و المحضورات و اتقاء الذنب ودعوت له الله بالمغفرة.

(٣)

لقد اُصبت بخيبة امل عند اعز اصدقائي السلفيين و تسببت لهم بنقاش حادٍ جرى فيما بينهم من حيث صِحة هذه الفتوى مُحتجين بأنها لم ترد عند اهل السنة و الجماعه ان يتزوج الانسانُ نفسه. ولكن لم يرد بالنص كذلك ارضاع الكبير ولا زواج المسيار ولا زواج المطيار ولا زواج المسياح فكلها استنباطات جاءت بعد مراجعة ما كتبه اهل الاثر ولم توجد بها من حرمة فلماذا يحُرم زواج الانسان من نفسه..نعم لماذا نحرم انفسنا من زواج المنفاس؟

قضيت شهر عسلٍ رائع سافرنا فيه -انا و نفسي- الى المناطق السياحيه الجميله الخاليه من المحرمات في جيزان و ابها وعسير. لقد تحقق حُلمي في ان اجد شريك حياتي الذي يفهمني وافهمه تماماً. مثل اي زوجين يحدث الاختلاف و لكننا نتفق في معظم الامور و هذه من حسنات و بركات زواج المنفاس. من محاسنه ايضاً انك تستطيع ان تشارك شريك حياتك بأسرارك ورغباتك بدون ان يضحك عليك كما انه يذكرك دائماً بالموانع الشرعيه حتى لا تقع في الذنب لاسمح الله.

لقد كانت تجربة زواجي سعيدة جداً ونادراً ما دخلت في جدال عقيم مع شريك حياتي، وحتى لو حصل جدال تكون فيه الغلبة دائماً لي، لست ادري لماذا؟ ربما كوني سلفياً عتيداً كثير القراءة والاطلاع في علوم اهل السنه. ان اسوء شيء حصل لي هو عندما وجدت الفتوى طريقها الى الصحافة و صار بعض هؤلاء الذين يتسمون الليبراليين او بني ليبرال يتندرون بها بمحاولات رخيصة للنيل منها غير ان هجومهم لا يعدوا ان يكون الا نوعاً من التشدق الذي يعرفون به،وهو امر لا يهمني كوني لا اعرف في الله لومة لائم.

(٣)

ولكن من بعد سنتين من هذا الزواج حدث لي شيء، اعتقد ربما الهرمونات التي جعلتني فجأة ارغب بالحصول على طفل، نعم ان يكون لي طفل صغير اربيه على مباديء السلفيه و الاعبه لسبع ثم اضربه لسبع. وبالطبع انا ادرك ان زواج المنفاس لايمكن ان يحصل منه انجاب فما العمل؟

كما اوضح لي الشيخ حامد عبدالله العلي بأنني اذا طلقت نفسي فيجب ان اعيش بعيداً عن نفسي لمدة ثلاث شهور في عدة الطلاق حتى تتم ثلاث حيضات، ولكن كيف يكون ذلك ياشيخ و انا وزوجي لا نحيض. كما يجب ان يكون هناك سبب مبرر للطلاق كالهجر وهذا صعبٌ جداً فمن الاستحالة ان اهجر شريك حياتي وانا وهو نشترك بنفس الجسد. وهنا حك الشيخ حامد شعره من تحت غترته التي يلبسها بدون عقال على الطريقه السلفيه وقال ان الحل الوحيد هو ان نزوجك زواج مسيار بنية الطلاق تحصل منه على طفل ثم تطلق.

(٤)

وهكذا وعلى مضض خلعت خاتم زواجي من نفسي وذهبت للبحث عن زوجه. كانت امي سعيدة على الاقل بهذا القرار الا ان نفسي كانت تعتبر الامر خيانة للمحبه و لكنني وكما ذكرت ضليع بالمسائل الفقهيه السلفيه و غلبت حجتي حجة نفسي فاقتنعت. الا ان المشكلة انني ومن بعد زواجي الثاني لم استطع الطلاق بسبب حاجة الطفل الى امه رغم انني لم اكن ارغب بذلك، فحياتي مع تلك المرأه كان ينقصها التوافق و التفاهم كما انها باردة جنسياً.

مرت عشر سنوات على هذا الحال قبل ان اتمكن من الزواج مرة اخرى ولم يكن سهلاً اقناع والد العروس الجديدة بتزويجه ابنته من شخص متزوج من اثنين، ولكن لأنه سلفي هو الاخر ولأنني ضليع بالمسائل الفقهيه السلفيه تمكنت من اقناعه وقلت له انهما زواجين مختلفين للضرورات الشرعيه زواج منفاس وزواج مسيار.

(٥)

لقد قام العلماء بعد تجربتي تلك بوضع شروط واركان زواج المنفاس واصبح اليوم شيئاً عادياً مثله مثل ارضاع الكبير وانواع الزواجات المتعددة التي تزخر بها كتب الفتاوي ..الان انا سعيد بزيجاتي الثلاث ولكن مازلت انتظر فتوى شروط طلاق المنفاس والذي مازال العلماء السلفيين الكبار يعملون جاهدين وفقهم الله لحل مشكلته، وخاصة ان كل السلفيين يرغبون بالزواج من انفسهم.

بن كريشان